Read Aloud the Text Content
This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.
Text Content or SSML code:
قصة قصيرة بعنوان. .. (منك إليك بك ) اسْتَيْقَظُتْ وَبِداخِلي عُمْقٍ شَديدٍ ، وَرَأَيْتَ نَفْسِي تائِهًا . . كَتائِهٍ بِعُمْقِ صَحْراءَ قَاحِلَةً أَظْمَأْنِي شَمْسَها الحَارِقَةُ فنظرت لمرآتي متأملا ملامحي, وأنا أشير لصورتي قائلا: هل أنا لست أنا؟ حَدَقْتَ بقسماتي فيا لها مرآتي قد أعادت لي نفس قسماتي فجلست ولم تزل نظراتي عمن يقاسمني نفس حركاتي، و سألته: آ أنا أنت؟ ابتسم قائلا: كونك استخدمت ضمير المخاطب (أنت) فهذا إقرار منك أنك لست أنا قلت في دهشة: كيف؟؛ وقسماتك قسماتي وحركاتك حركاتي قال في هدوء: لقد أخطأت، فأن حركاتك ليست كحركاتي قلت في تعجب: كيف؟ قال في ثبات: أنظر .. لقد حركت يدك اليمني وأنا حركت اليسري, وأنت تنظر إلي المرآة وأنا انظر عكسها ولهذا أنا لست أنت زادت كلماته حيرتي, وراحت عيني ترمقه بحده, أمسكت بيدي زجاجة عطري، فرايته مبتسماً, فألقيت بها فتحطمت مرآتي قطع، منها الكبير ومنها الصغير، وجميعها تحوي نسخا مني، وثبت نظري علي أكبر حطام بمرآتي فرايته مبتسماً في هدوء قائلا: فسرها كما تشاء وراحت نظراتي عابرة تشملهم جميعا, فذادت حيرتي وعاد نظري علي كبيرهم فحدثني قائلا: ألم تدرك أنك أشخاصاً، يجسدهم شخص واحد فأسرعت قائلا: يا ويلي، أكل هؤلاء أنا؟ فبتسم بهدوء قائلا: والآن.. عد إلى الواقع وتأمل. فأسرعت بالخروج إلي حمامي وخلعت ملابس ووقفت أسفل الماء لعلي استفق, ومضي وقت طويل والماء يتساقط علي, وعقلي لا يتوقف عن الركض خلف أفكاري. فأسرعت بالخروج, ووقفت اطهي فنجان قهوتي, وأخذته وجلست علي مكتبي بين أوراقي ونظرت إلي قلمي وسألته: ألست القلم الذي كنت أكتب به من قبل؟ أجاب قائلا: لا، لست ذلك القلم، فلقد استنفدت جزءا من حبري، وربما تستنفد ما بقي مني فتذوب هويتي في هوية أوراقك، تماما كما ذابت هوية قهوتك التي تستحيها في هوية جسدك. أدهشني ما قاله القلم. فاستكمل القلم: ولكن ما أصابك اليوم, فبالأمس كنت عادياً. قلت: أنت لا تعرف ما دار بيني وبين مرآتي. فتحدث القلم قائلا: هدئ من روعك.. واحكي لي. فحدثته بما حدث. فقال: حدثتك مرآتك يا صديقي بالحق، وإذ أردت أن تعلم فسترخي وتتأمل، وتتحدث مع الآخرين بداخلك، فما عليك سوى أن تمسكني, وحبري سيكون شاهدا، والآن هيا أبدا. لم ألبث أن فعلت ما قال، وما هي إلا لحظات قليلة حتى تدافع بداخلي أولئك الأشخاص الذين هم أنا يتسابقون إلى قلمي وأسرع أولهم قائلا: أكتب... قلت: وماذا أكتب؟ قال أكتب عن ما مضي من عمرك بالحق، وعن أناس يحيون على تراث أمواتهم، وغفلوا عن أنهم هم الأموات وأمواتهم أحياء، بل أقول لك أكتب عن الجهل الذي يمشي مُختالا في أروقة المدينة يُسامر الوهم على النواصي، ويُصافح الكذب فيعلو وينتصر، عن مجتمع يموج بالحمقى وبائعي الضمائر، بل أكتب عن التعليم وإعلام الذي يمتهن العقول فتستجيب، بل أكتب عن شباب فقدوا قُدوتهم وماهيتهم فتدثروا بدثار غريب، بل.. وأسرع الثاني قائلا: بل أصمت أنت, ودعه.. لا تستمع إليه فتشقى، ولا تكتب ما أملاه عليك فتُصادر أوراقك ويُقصف قلمك... بل اطمس الحقيقة في عقلك وقلبك، وشوّه الواقع بقصور من رمال الوهم تذروها رياح الحق ولو بعد حين. وشيد لهم سرابا يُزين الجهل حين يُغني ويتراقص طربا في غيابات القلب الحزين، هيا أكتب يا صديقي فأنا لك ناصح أمين، ولا تلومني إن سلكت طريقه فوجدت نفسك منبوذا من حشد السُكارى، بل ومقطوع الوتين. هنا تدخل الثالث صائحا: كفاكما .. بل اتبعني أنا وكن من الغافلين، فما شقاؤك إلا من جرَّاء كلامهم، ألق بهذا القلم بل ومزّق الأوراق أيضا, وعش حياتك في نعيم، وكُن كما يُريدك الآخرون، استلب كيانك، والتحم بالمشهد العبثي دهرا، وانزع دثار العقل قهرا، وكُن تافها، ضائعا، جاهلا، ودعك من كل هذا الجنون وصاح الرابع والخامس والسادس … نصائح تتداخل … وصور تتلاحق … أصوات يطعن بعضها بعضا … وبين كل هذا تعالي صوت الحق فانتبهت على صوت المؤذن: حي على الفلاح. فرميت قلمي وأسرعت إلي الصلاة, وما إن انتهيت منها حتى, وقعت عيني علي آيات من القران مكتوبة علي حائط الإيوان بمسجد السلطان حسن فأمعنت بالنظر فأدركت أنها مكتوبة بالخط الكوفي ورحت أحدق مرددا.... بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً* ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ويُتمّ نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً* وينصرك الله نصراً عزيزاً* هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً* ليُدخِل المؤمنين والمؤمنات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويُكفّر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيما ً صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم وما إن انتهيت من قرأت ما كتب علي حوائط الإيوان وصدقت, ونظرت حولي فلم أر أحدا بالمكان فأخذت أترجل علي قدمي إلي فوارة صحن المكان وراح نظري بين أروقة كل إيوان فرأيت بداخل محيط كل واحدا منهما يجلس إنسان، فنظرت إلي السماء وعيني تنهل دمعاً, وخاطبت ربي قائلا: الهي.. الهي, روحي تمزقني يا مالكا قدري أنا بين يدي رحمتك عاجزا وأنا لست املك إلا ذاك. وعاد نظري ساكنا, فرأيت الرجال الأربعة يلتفون حولي وهم يبكون, فأخذت انظر إلي كل واحد منهما فأبتسم أحدهما قائلا: أتدري ما التجلي؟ قلت: لا أعلم. فرد الثاني قائلا: يكون التجلي عندما ينتهي التحلي. ثم أكمل سائلا: ولكن متى ينتهي التحلي؟ فنظرت إليه قائلا: لا أعلم. فأبتسم الثالث قائلا: ينتهي التحلي ..عند تمام التخلي... ثم أكمل سائلا: ولكن أي تخلي؟ فقولت: لا أدري. فأجاب رابعهم قائلا: عندما تتخلى النفس عن شهواتها.. ثم أكمل سائلا: ولكن أي الشهوات أخطر؟ قولت: لا أدري. فعاد أولهم قائلا: غيبة في مخلوق... ونظر إلى حرام ... وغرورا يصحب رياء... ثم أكمل سائلا: ولكن أتدري ما هو الرياء؟ فنظرت إليه في صمت شديد معلنا عجزي. فتبسم ثانيهم قائلا: التزين للناس من أجل الناس .... وقتها يكون القلب مقلوب عن الإخلاص. فأسرعت قائلا: وهل ينقلب القلب؟ فأجاب ثالثهم: نعم إذا أنشغل بالناس عن رب الناس. وسائلا رابعهم قائلا:- ولكن ما الإخلاص؟ فنظرت إليه ولا أدري ما أقول. فرتب علي كتفي أولهم, فنظرت له فأبتسم قائلا: والإخلاص هو أن تكون كلك لله ... من غير التفات منك إلى حظوظ نفسك. فقلت : و ما هي حظوظ النفس؟ فرد ثانيهم وهو يحني رأسه قائلا: حب الظهور والسلطنة؟ وحني الجميع رأسه, وخيم الصمت علي المكان, فأخذت انظر لكل واحدا منهما وأنا ابكي. وأسرعت قائلا: و ما هو حبل النجاة نظر إلي ثالثهم قائلا: حكم عقلك على نفسك ... وروحك على قلبك. قلت : أليس العقل نعمة والقلب حكمة. فأجاب رابعهم قائلا: نعم ولكن بشرط أن يقف العقل عند منتهاه, فالعقل دابة تواصلك للسلطان, والقلب نور من وجه الرحمن.. فصل هذا بذاك تنعم الروح بصفات جلال والإكرام. فنظرت إليهم وأنا أبكي قائلا:روحي تمزقني, وما أدري هي الروح؟ فأجاب أولهم قائلا: هي سر قديم أودعه الله فينا, وإسدال عليه ستائر السر. فقلت : كيف؟ فأجاب ثانيهم قائلا: تشرفت الأرواح بخطاب ربها منذ الأزل فشهدت بما لم يشهده العقل والقلب. فقلت: وما الخطاب؟ فنحي ثالثهم رأسه قائلا: قال تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم* ألست بربكم * قالوا بلى شهدنا ) فأسرعت قائلا: ولماذا الروح لا تسقي القلب والعقل من شُعُع النور. فأجاب رابعهم قائلا: تفعل, ولكن سقايتها على قدر صفاء العقل والقلب فيكون الأنس... ولكن هناك نوعان من الأنس أتعرفهم؟ فقلت: لا أدري؟ فأجاب أولهم قائلا:أنس يعلو.. وأنس يهوي...فالأنس بالله نور ساطع .... والأنس بالخلق هم واقع. وأسرع ثانيهم مكملا: والأنس هو المحبة.. ولكن أتدري ما المحبة؟ قلت: لا أدري. فأجاب ثالثهم قائلا: أن تحب الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك. قلت : وكيف السبيل لذلك؟ فأجاب رابعهم: محبة وإتباع فشهوداً وفناء. فقلت : وكيف يكون السبيل؟ فأجاب أولهم بهدوء قائلا: برضا النفس. فقلت : ومتى ترضى النفس؟ فرد ثانيهم قائلا: حين تتعافى السقام؟ قلت: ومتى تتعافى السقام؟ فقال ثالثهم: حين ينبت النور .. ويذهب الزور. قلت : ومتى ينبت النور؟ فأجاب رابعهم قائلا: حين تعتدل الرؤية. فقلت : ومتى تعتدل الرؤية؟ فأجاب أولهم قائلا: حين يبدأ التأمل. فقلت : ومتى يبدأ التأمل؟ فقال ثانيهم: حين ينتهي الذنب. فقلت : ومتى ينتهي الذنب؟ فقال ثالثهم: حين تدمع العين صدقاً . فقلت : ومتى تدمع العين صدقاً؟ فقال رابعهم: حين تنظر الروح. قلت : ومتى تنظر الروح؟ فقال أولهم: حين تبصر النفس. فقلت : ومتى تبصر النفس؟ فقال ثانيهم: حين يرى القلب. فقلت : ومتى يرى القلب؟ قال ثالثهم: حين تتجرد إليه وحده. فقلت : وما التجرد؟ قال رابعهم: أن تتيقن لقوله.. كلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ. قلت : ومتى تكون أول رؤيا للقلب؟ فأبتسم أولهم قائلا: حين يولد الإنسان. فقلت : ومتى آخر رؤيا؟ فقال ثانيهم: حين يفنى الإنسان. قلت: ومتى يفني؟ فقال ثالثهم: حين يزهد العبد. فقلت : وما الزهد؟ فقال رابعهم: الأخذ بالحقائق واليأس ممّا في أيدي الخلائق وأن تترك بكل شي يشغلك عن مولاك. ثم اصطفوا الأربعة إمامي بالعرض وأبتسم أولهم قائلا: والآن وقد أنتهي الكلام، أما تريد أن تعرفنا قولت: بلي فأكمل أولهم قائلا: أنا الروح معدن الأسرار ومحل مصابيح الأنوار وقال المجذوب عني: مَنَ نَظَرَ الكَوْن بِالْكَوْنِ غَرَّهُ في عمى البصيرة ومن نظر الكون بالمكون صادق علاج السريرة. وصمت وتحدث الثاني قائلا: وأنا العقل فأنا دابة تركبها لتوصلك إلي السلطان، ولكن لا أستطيع الدخول, فأنا وسيلة تعريف تقود إلي إليه ، ولكن الوقوف في حضرته تحتاج إلي القلب .. لأني أغيب من فرط هيبته. وتقدم الثالث قائلا: وأنا النفس ولي أشكال عده.. فأنا الأمارة بالسوء، وأنا اللوامة، وأنا المطمئنة، وأنا الراضية، وأنا المرضية، وأنا الكاملة وتلك هي معادلتي" منك إليك بك ". ولكي تقودني أقتل في الحرص، البخل، الكبر، الغضب، الحسد، الكذب… وتقدم الرابع وأبتسم قائلا: وأنا القلب وليس لدي ما أقول سوى بصلاحي صلح الجسد كله. وفجأة تحول الأربعة من صورهم إلي صورتي، وأبتسم الثاني قائلا: فسرها أنت الآن. وأقترب الأول مني واتحد بجسدي وتعاقبه الثاني والثالث والرابع وأصبحت وحدي واقفا بصحن المكان وشعرت وأن الدنيا تدور بي وأختل جسدي وهويت إلى الأرض ساقطا فاستيقظت مسرعا وأخذت أنظر حولي ورأيت نفسي بغرفة نومي فنظرت إلى مرآتي فرايتها كما هي.