Read Aloud the Text Content
This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.
Text Content or SSML code:
كنت أقابله عندما كنت في السعودية، وزيارتي للسعودية بعد أن أقمت في بريطانيا. آخر مرة قابلته في زواج ابنه، إذ كنت في زيارة لجدة حينها. رأيت أسدا: الصرامة والجدية نفسها.. مبتسما ابتسامة الواثق من نفسه غير المكترث بما فعله الزمن. نظرت اليه مليا، ولسان حالي يقول: "أشهد، كما يشهد غيري بأنك أوفيت بوعد الشرف الذي قطعته على نفسك ككشاف، فقد بذلت جهدك في القيام بواجبك نحو الله ثم الوطن، وساعدت الناس في جميع الظروف والمحن، في المهجر كما فعلت في الوطن ... كمعلم، وقائد كشافة، وضابط في مكتب الجبهة.. عملت بق المنهج جاء تعيين الاستاذ عثمان سبي مديرا لمدارس حرقيقو في وقت مسرح السياسة الاريترية كان مليئا بالمشاهد الساخنة، وكانت أروقته مليئة بما كان أكبر. في يوليو ١٩٥٥م أقيل الرئيس التنفيذي لحكومة اريتريا، أتو تيدلا بايرو؛ وتم تعيين أتو أصفها ولدميكائيل رئيسا تنفيذيا والسيد إدريس محمد آدم رئيسا للجمعية العمومية الإريترية في أغسطس ١٩٥٥م. من أهم بنود أجندة أتو أصفها ولدميكائيل كان إلغاء اللغتين الاريتريتين الرسميتين: التجرينية والعربية من التعامل الرسمي، والاعداد للتعامل باللغة الأمهرية. وكان الرئيس الجديد واثقا من تمرير التعديل، مفترضا عدم مقاومة السيد إدريس محمد آدم. وفوجئ بوقوف السيد ادريس محمد آدم وبصلابة ضد التعديل. ولكن الحراك الاثيوبي المحموم لأمهرة المنهج التعليمي الاريتري لم يتوقف. هذه الجزئية بالذات كانت لب مشكلة المدارس الاريترية عامة، ومدارس حرقيقو لم تكن استثناء.. بالنظر إلى تسلسل الأحداث المتسارعة: في أقل من ٩٠ يومًا (أي من يوليو: إقالة أتو تيلا بايرو، إلى أغسطس: تعيين أتو أصفها وأجندته، إلى سبتمبر: لداية العام الدراسي الجديد) وجد الأستاذ سبي نفسه وجها لوجه مع اختبار من خارج المقرر الذي أستعد له! فماذا عمل سبي؟! ما واجه سبي لم يكن هذا الاختبار فقط الا أنه كان الأصعب. إذا التحدي الأكبر للمدير سبي كان المنهج الإثيوبي، الذي فرضه الوضع السياسي في ذلك الوقت، فلنلقِ نظرة فاحصة على الموضوع بعيدًا عما قيل ويقال. كان قرار حكومة أتو اصفها ولد ميكائيل قرارًا عامًا. أي أنه لم يستهدف مدارس حرقيقو بالذات. فلماذا جعلت مدارس حرقيقو قضية كبيرة من القرار؟ ولا سيما بالتأكيد كان لدى الحكومة إجراءات وبرامج تساعد الوزارة على التحول من حيث كانت إلى الوضع الجديد؟ هنا يجب أن نتذكر ثلاث نقاط: أولاً: مدارس حرقيقو لم تكن مدارس عامة. كانت مدارس خاصة غير هادفة للربح؛ وكانت مكتفية ذاتيا. ثانيا: مدارس حرقيقو كانت تمتلك برامج تعليمية تجاوز عمرها حقبة كاملة أثبتت خلالها نجاحها. فبماذا تدخل في مقامرة تبني منهجا جديدا في نظرها لا يلبي حاجة وطموح المستفيدين من خدمتها. ثالثا: نظرة المجتمع للغة الأمهرية، والتي كانت المحو، لم تكن إيجابية متل التي كانت تتمتع بها اللغتين العربية والإنجليزية. لم يشمل المنهج الجديد اللغة العربية والتربية الإسلامية. كان لمدارس حرقيقو، كما ذكرنا سابقًا، تقليد استخدام اللغة العربية كوسيلة لتدريس المواد الأخرى، وتدريس اللغة الإنجليزية والأمهرية كمواد. منطقيا، لم يكن نظام ندارس حرقيقو التعليمي ليتيح للطلاب التحضير لامتحان الوزارة العام للصف الثامن؛ ومن ثم النجاح فيه. تطلب امتحان الوزارة مقاربة مختلفة تمامًا: من حيث الأهداف والمحتوى والموارد (المادية والبشرية وحتى الوقت) والتنفيذ. العمل بالمنهج الجديد كان يحتاج على سبيل المثال لا الحصر: مدرسون ذوو خبرة في تدريس المواد المحددة لامتحان الوزارة للصف الثامن. المنهج الجديد كان يتطلب أيضا موارد مادية من الوسائل السمعية البصرية للشرح، ومعدات وأدوات مختلفة تخدم المنهج الجديد. وعندما نأتي إلى مورد الوقت لتنفيذه كان يتطلب ٣٠ ساعة صلبة من التدريس والتدريب في الأسبوع على المواد الأساسية. وكان المطلب الأهم القبول والإرادة لتطبيق المنهج. المطالب وعلى رأسها القبول لم تكن موجودة.. الموارد التي كانت تمتلكها مدارس حرقيقو لم تكن لتخدم المنهج الإثيوبي، ليس بسبب حداثته، ولكن بسبب اختلافه. المعلمين، على الرغم من قدراتهم وإمكانياتهم، لم يتم تدريبهم على تدريس مواد المنهج، خاصة باللغة الأمهرية. تقليديا كانت تستخدم المدارس ما لا يقل عن سبع ساعات ونصف من أصل ٣٠ ساعة في الأسبوع لتدريس اللغة العربية والدين. وهاتين المادتين بالنسبة لوزارة التربية والتعليم كانتا مادتين اضافيتين تزاحمان المنهج، تأخذان من وقته وموارده الأخرى.. الأمر الذي من شأنه أن يقلل من تحصيل الطلبة وبالتالي فشلهم في امتحان الوزارة. مما لا شك فيه أن شخصية وقناعات الأستاذ سبي لعبت دورًا رئيسيًا فيما تلا معمعة المنهج تلك. كان ثوريا يؤمن بانفصال إريتريا عن إثيوبيا؛ ولم ير في المنهج الإثيوبي بل أداة لإبعاد إريتريا عن طريق الاستقلال. بعد سنين، وبخصوص المنهج، يقول سبي في مقدمة كتابه جغرافية اريتريا: "ويعود اهتمامي بجغرافيا اريتيريا إلى أيام عملي مدرسا في مدرسة حرقيقو ثم مديرا لها في الأعوام ١٩٥٤ـ١٩٥٩م حيث أجبرتني ظروف الحاجة الى إعداد بعض الكتيبات للقسمين الابتدائي والإعدادي عن الجغرافيا والعلوم والتاريخ الخ... إذ لم يهتم أحد ممن تعاقب على حكم أريتريا من القوى الأجنبية – الأتراك، الطليان، الإنجليز، الأحباش – بوضع منهج وطني إريتري للتعليم يتلاءم وحاجة الطالب الاريتري وبيئته وثقافته وروحه الوطنية. وطموحاته" أشار سبي إلى موضوع المنهج خطفا ودون تعمق (لأن الموضوع ذكر في سياق مقدمة)، وما ذكره بقدر كبير من التواضع لا يعكس حجم وأهمية ما أنجزه هو وزملاؤه. كانت هذه الكتيبات التي كتبها سبي غنية بالمحتوى ورائعة في العرض. كانت بمثابة لبنة في المناهج الدراسية. المدارس في ذلك الوقت لم يكن لديها ما لدينا اليوم من معدات وأدوات، لذلك تم نسخ هذه الكتيبات يدويًا بواسطة الموهوب الخطاط والرسام الأستاذ بخيت إدريس شنقباي. في ذلك الوقت، كان الأستاذ بخيت مدرسًا جديدًا تحت التدريب، ومدربه كان الأستاذ سبي نفسه. أتذكر عندما كنت طفلاً بعض رحلات الأستاذ سبي والمعلمين إلى معالم مصوع ومحيطها من المواقع الأثرية والمنشآت الصناعية، مثل: سيلينا (مصنع الملح)، سيداو (محطة كهرباء) بضاحية قرار شمال مصوع، محطة عجيب (مخازن البنزين) في شمال حرقيقو، والأماكن التاريخية مثل "أم كلو" و"طابيت مشناق". في حطملو ".. إلخ