Read Aloud the Text Content
This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.
Text Content or SSML code:
ومرت الأيام.. وتم تحرير السجناء السياسيين عام ١٩٧٥م.. (كتب الأخ عثمان بدوي عمريت بإسهاب عن كيفية تحرير هؤلاء السجناء، إذ أنه كان هو واحداً منهم).. والتقيت بالأستاذ محمود في الخرطوم في العام ١٩٧٧م. ذهبت الى مكتبه، مكتب جهاز التعليم، لأسلم عليه. ورأيت المعلم نفسه/الأب الهادئ لم يتغير. شرح لي عمل الجهاز بالأرقام والخرائط. أذهلني الأستاذ محمود الإداري، كما سبق وأذهلني الأستاذ محمود المعلم. حينها فقط أدركت أن إدارة جهاز التعليم ورقي تعامله مع المستفيدين منه رغم اختلاف خلفياتهم، وانتماءاتهم السياسية.. وقتها تأكد لي أن الجهاز لم يكن إلا امتدادا لمدارس حرقيقو ومبادئها وفلسفتها! وكيف لا.. وابتداء بالأستاذ عثمان سبي، ومرورا بالسيد عمر برج وانتهاء بالأستاذ محمود، مبدأ الجهاز كان: "أنت، أيها الشاب الاريتري، لا يهمنا من أي منطقة أنت، ولا من أي قبيلة تنحدر، ولا الى أي فصيل تنتمي، ولا بأي عقيدة تؤمن، و لكن يهمنا أنك اريتري و من حقك علينا أن نتيح لك فرصة التعليم". على هذا المبدأ أنشئت مدارس حرقيقو، والقائمين على الجهاز كانوا من صنعها. التقيت أخيرا بالأستاذ محمود في منزلي في جدة، بالمملكة العربية السعودية. كان ذلك قبل وفاته بفترة قصيرة. جاء لزيارة والدتي. وتحدثنا كثيرا، سألته سؤالا كان دائما يؤرقني، "من أين جاء بتلك الاساليب البيداغوجية المتقدمة وهو لم يدخل معهدا او كلية للمعلمين؟".. لأول مرة علمت منه أن المعلمين السودانيين وبطلب من الباشا صمموا ونفذوا برنامج تدريب للمعلمين، في حرقيقو، بالتنسيق مع معهد بخت الرضا. والمعلمون السودانيون كانوا من الحماس والإخلاص لدرجة أنهم نذروا أنفسهم للمشروع ليخرجوا مجموعة لا تقل كفاءة عن المجموعة التي كانت تدرب في أديس أبابا. وقد كان. رحم الله الاستاذ محمود... توفى في هدوء، وتمت مراسيم جنازته في هدوء كما عاش في هدوء، وكان يعطي في هدوء، فأمثاله يصعب أن نصفهم بالهادئين؛ لأن الهدوء أصلا يوصف بهم.