Download Free Audio of يكون قد سمع عشقا. ولكن من سم... - Woord

Read Aloud the Text Content

This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.


Text Content or SSML code:

يكون قد سمع عشقا. ولكن من سمعها من غيره في أفضل الأحوال يكون قد سمع نشيدا! كان الاستاذ محمود مربيا من نوع فريد. ففي زمن كان فيه العقاب الجسدي أداة تقويم معترف بها بل ومباركة؛ كان محظوظا حظا كبيرا من كان معاقبه الاستاذ محمود. فأشد عقاب عنده كان الجلد، نعم الجلد، ولكن بقلم رصاص، وقد لا يكون القلم طويلا. ثلاثة جلدات على راحة اليد، تكاد تكون لمسا. ذلك كان أشد عقاب بدني لديه!! فهدف العقاب عنده لم يكن إيلام التلميذ، بقدر ما كان أن يجعل المخطئ يدرك أنه أخطأ وعليه أن يتوب توبة نصوح! وكان الأستاذ محمود محط احترام الجميع، من أصغر طفل الى أكبر ولي أمر. كل من درسه الاستاذ محمود في الابتدائية يتذكر قصة "الضيف الجديد". كان عنده أسلوب تدريس محبب. فيصف الحرف الجديد الذي يعلمه للصف بـ "الضيف الجديد" ويلبسه ثوبا زاهاي بلون خاص به. وأدلته كانت آخر ما توصلت اليه تقنية ذلك الزمان: الطباشير الملون على المستوى الشخصي: مرت أيام الابتدائية ومضت. ... وفي يوم من أيام شهر رمضان وقبيل الافطار، في عام ١٩٦٥م، في شارع يربط حي "جزا برهانو" بشارعي "إتيجي منن" و "كمبشتاتو" في أسمرا (حينها، إذ أسماء الشوارع تغيرت فيما بعد)، وأمام مطعم مشهور كان معروفا باسم "مطعم فتوراري"، وبمحض الصدفة رأيت الاستاذ محمود. كنا مجموعة من الزملاء، أذكر منهم زميلي وصديقي عثمان شلال وعبده حبيب. طرنا فرحا برؤية الاستاذ. كلنا كنا نحبه، ومن لم يكن يحب الأستاذ محمود؟! وفجأة تسمرنا في أماكننا. عندما لفت، وعلى ما أعتقد كان، عبده حبيب الى أن على يدي الاستاذ قيد حديدي. وتنبهنا أنه كان يقف بجانب سيارة "فولكس فاكن بيتل" خضراء مكتوب عليها "لمنجست سرى بجا" أي للاستعمال الرسمي الحكومي فقط. ورغم هذا ذهبنا إليه وحيناه. وأبعدنا الحرس، ولم يكن عنيفا أو قاسيا. ربما رأف بحالنا وبحاله. كانوا قد أتوا به للإفطار. أتوا به مقيدا: معلم مقيد. معلم بطل قبض عليه ضمن خلية كانت تقوم بعمل ثوري سري كبير. في ذلك اليوم، رأيت في الاستاذ محمود ذلك الاستاذ الهادئ الذي ألفناه: رجل ربما أرهقه الصيام، وربما ضايقه القيد، أو أزعجه البرد، ولم يكن يرتدي ملابس ثقيلة تناسب جو أسمرا. ولكن بالتأكيد كان ذلك المؤمن الثابت. لا أدري ماذا قال لنا حينها.. ربما تمتم ابعدوا، خوفا علينا. بنبرة أب يحذر أبناءه من الاقتراب من النار. ومرت الأيام.. وتم تحرير السجناء السياسيين عام ١٩٧٥م.. (كتب الأخ عثمان بدوي عمريت بإسهاب عن كيفية تحرير هؤلاء السجناء، إذ أنه كان هو واحداً منهم).. والتقيت بالأستاذ محمود في الخرطوم في العام ١٩٧٧م. ذهبت الى مكتبه، مكتب جهاز التعليم، لأسلم عليه. ورأيت المعلم نفسه/الأب الهادئ لم يتغير. شرح لي عمل الجهاز بالأرقام والخرائط. أذهلني الأستاذ محمود الإداري، كما سبق وأذهلني الأستاذ محمود المعلم. حينها فقط أدركت أن إدارة جهاز التعليم ورقي تعامله مع المستفيدين منه رغم اختلاف خلفياتهم، وانتماءاتهم السياسية.. وقتها تأكد لي أن الجهاز لم يكن إلا امتدادا لمدارس حرقيقو ومبادئها وفلسفتها! وكيف لا.. وابتداء بالأستاذ عثمان سبي، ومرورا بالسيد عمر برج وانتهاء بالأستاذ محمود، مبدأ الجهاز كان: "أنت، أيها الشاب الاريتري، لا يهمنا من أي منطقة أنت، ولا من أي قبيلة تنحدر، ولا الى أي فصيل تنتمي، ولا بأي عقيدة تؤمن، و لكن يهمنا أنك اريتري و من حقك علينا أن نتيح لك فرصة التعليم". على هذا المبدأ أنشئت مدارس حرقيقو، والقائمين على الجهاز كانوا من صنعها. التقيت أخيرا بالأستاذ محمود في منزلي في جدة، بالمملكة العربية السعودية. كان ذلك قبل وفاته بفترة قصيرة. جاء لزيارة والدتي. وتحدثنا كثيرا، سألته سؤالا كان دائما يؤرقني، "من أين جاء بتلك الاساليب البيداغوجية المتقدمة وهو لم يدخل معهدا او كلية للمعلمين؟".. لأول مرة علمت منه أن المعلمين السودانيين وبطلب من الباشا صمموا ونفذوا برنامج تدريب للمعلمين، في حرقيقو، بالتنسيق مع معهد بخت الرضا. والمعلمون السودانيون كانوا من الحماس والإخلاص لدرجة أنهم نذروا أنفسهم للمشروع ليخرجوا مجموعة لا تقل كفاءة عن المجموعة التي كانت تدرب