Read Aloud the Text Content
This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.
Text Content or SSML code:
من الضروري هنا معالجة قصتين، يمكن اعتبار كل منهما دراسة حالة تقرب القارئ من صورة المدارس ومعلميها في تلك الفترة. القصة الأولى: الأستاذة آمنة محمد علي ملكين (كانت معلمة في مدرسة البنات في حرقيقو من عام ١٩٥٦الى عام ١٩٥٨م) في عام ٢٠١٨م بعد جهد جبار والاتصال بمعظم معارفي من أهل كرن الحبيبة، حصلت على رقم الأستاذة امنة. أعرف من خريطة العالم أن أستراليا بعيدة من إنجلترا، و لكني لم أكن أعلم أنها بهذا البعد! بعد رسائل واتسابية وإيميلات وصلت الى أستراليا. هاتفت الأستاذة وفي ذهني كلمة "خريطة" كمفردة مرتبطة بالأستاذة آمنة. في عام ١٩٥٨م كانت الأستاذة أمنة معلمة محبوبة في حرقيقو. ومن العادات السائدة حينها التلميذات كن يدعين معلماتهن للسهر في منازلهن في ليالي شهر رمضان. في ليلة من ليالي ذلك العام قامت الأستاذة امنة بزيارة اسرة إحدى تلميذاتها وكانت بصحبتها إحدى زميلاتها. . في تلك الزيارة لفت نظرها طفل صغير في الابتدائية كان منكبا في اكمال واجب مدرسي. سألته بروح المعلم المهتم. عما يفعله. فرد عليها أنه يرسم خريطة. بذكاء لغوي ملحوظ قالت شيئا عجيبا. ربطت كلمة "خريطة" بالعربية بكلمة "خريطا" بالتغرايت.. بمعنى الشخص الذي يتحدث اللغة بنطق ركيك، غير سليم.. وبمهارة المعلم، شرحت العلاقة بين الكلمتين للحضور.. وقالت الخريطة ترسم بخطوط غير مستقيمة.. والـ “خريطا" يتحدث اللغة بطريقة غير سليمة. عندما سألتها عن القصة في عام ٢٠١٨م لم تتذكرها. ولم أستغرب لأن الدرس لم يكن مقررا، وأن المنهج الخفي قد لا يتنبه له المعلم ولكن يوجه المتعلم! وحتما لم تدر ماذا كان أثر كلامها على ذلك الطفل، أو من يكون. لم تدر أنها زرعت فيه حب اللغات وحب مهنة التدريس.. مرت سنوات وكبر الطفل؛ أصبح مديرا لمدارس حرقيقو. ذلك الطفل هو انا. فضل المعلمين الأول لا ينسى. في مكالمة تلفونية تعلمت من هذه الأستاذة الفاضلة عدة أمور عن فترة تدريسها في حرقيقو: قيل لها أن هناك مدرسة في حرقيقو، بلدة صغيرة، قريبة من ميناء مصوع. المدرسة في حاجة الى معلمات. وحينها كانت تعيش مع أخيها الأستاذ آدم ملكين، الذي كان معلما في أسمرا، بعد نقله من مكان لآخر. راقت لآمنة الصغيرة الفكرة بما فيها من عنصر المغامرة: العمل في مكان بعيد، بنوع من الاستقلالية والمسؤولية، الخ.. رغم أن همها كان مواصلة تعليمها في يوم ما. وعينها كانت على السودان ومصر. ذهبت للمقابلة، وكانت في أسمرا. على رأس من قابلها كان مدير المدارس، الأستاذ عثمان سبي. قبلت وسافرت الى حرقيقو. ردت الأستاذة على سؤالي عن مقاساة العيش في بلدة صغيرة تفتقر الى كثير من الأشياء التي كانت متعودة عليها في أسمرا: فقالت إن المعلمات أحببن البلدة بسبب معاملة سبي وأسرته لهن. فوالدته وأخواته كن الأم والأخوات للمعلمات. إن أهل البلدة كانوا يقدرون المعلمات تقديرا كبيرا، ولم يكن يوما يمر دون أن يدعين (أي المعلمات) الى دار إحدى الأسر؛ وخاصة في شهر رمضان. المعلمات أحببن أيضا رغبة الطالبات في التعلم بعد تركها حرقيقو عام ١٩٥٨م درّست في مدرسة الجالية العربية في أسمرا. وبقية قصة كفاحها فمعروفة من المقابلات التي أجريت معها ونشرت في الإنترنت. وقصة أخرى شارع أكسفورد في لندن معلم سياحي شهير. لديه امتداد يسمى "نيو أوكسفورد ستريت". ليس بعيدا عن هناك يعيش زوجان متقاعدان؛ أقل ما يقال عنهما جميلان، مثقفان، يحملان مخزونا هائلا من المعلومات ومن الذكريات عن مدارس حرقيقو في خمسينيات القرن الماضي. قمت بزيارتهما في عصر يوم ١٥ مايو ٢٠١٨م لنعيد معا عقارب الساعة الى الخلف وأسمع منهما قصتهما في مدارس حرقيقو. الأستاذ علي حامد عبد الكريم وحرمه المحترمة الأستاذة فاطمة ردا. زيارتي لهما كانت واحدة من تلك المناسبات التي يود المرء ألا تنتهي أبدا. الأستاذ علي كان معلمي. درسني اللغة الإنجليزية في الصف الخامس. وحرمه كانت معلمة أختي في قسم البنات. فكيف جاء الى مدارس حرقيقو ومن أين جاء؟ القصة بقدر بساطتها، عجيبة؛ تحمل في طياتها عبق أيام الباشا وصراع سبي مع تحديات المنهج وصدامه مع الحاج ادريس كيكيا بعد وفاة الباشا. الأستاذ علي كان من الشباب الذين دربوهم الانجليز في أول دار لتأهيل أبناء البلد ليعملوا في مجال التدريس. تعرف على الباشا في أسمرا ولكن ليس كمعلم! في ذلك الوقت كان ناديا يسمى "نادي المديريتين". كان ملتقى شباب المديريات الغربية والمديرية الشرقية. نادي تتفتق وتتفتح فيه المواهب الثقافية والفنية لشباب اريتريا الواعد. فلا غرو بأن يهتم الباشا بمثل ذلك العمل الوطني الراقي. ولا عجبا أن يتعرف على الأستاذ علي الذي كان ذلك الشاب الذي يتوسط ديناميكية النادي. ذات يوم جاء الأستاذ علي الى الباشا للحصول على مساعدة مالية للنادي. ولمثل الأستاذ علي ولناديه لا يرفض طلبه. ومن هنا بدأت علاقة بين أب وابنه، كل واحد منهما معجب بدور الآخر. في هذه الآونة كان القدر ينسج أجزاء أخرى من قصة الرجلين. كما ذكر سلفا، مدارس حرقيقو, ، بالإضافة الى مدرسة للبنين، كانت تتكون من مدرسة للبنات ومدرسة للنجارة والحدادة. معلم تقنية الحدادة حينها كان السيد أحمد بامشمش. حرم السيد بامشمش كانت تعمل بمدرسة البنات. كانت لحرم بامشموش صديقة اسمها "نجستي ردا" موظفة في مصلحة الاتصالات Department of Communication: التلفون والبريد والبرق في أسمرا. الآنسة نجستي كانت نجمة عصرها خلقا وأخلاقا وتعليما. على عكس جل بنات الهضبة في ذلك العصر كانت تجيد اللغة العربية، وتتحدثها بلهجة سودانية رائعة. زوجة بامشمش عرضت عليها أن تقدم للتدريس في مدرسة البنات بمدارس حرقيقو. وافقت. تحدث السيد بامشمش الى الباشا. قبل. الآنسة "نجستي" قابلت الباشا. أعجب الباشا بمهارات ومواهب الشابة. عينها. لكن كانت هناك عقبة. قالت للباشا أنها سوف تتزوج قريبا وخطيبها يعمل في أسمرا. الباشا، الأب، الكريم، تصرف كما يتصرف دائما مع من هم أهلا للتقدير. قال لها، "مبروك.. وتكاليف فرحك هو هدية فرحك مني. و أتركي الباقي على الله". تم تعيينها. خطيبها كان ذلك المعلم الشاب الأستاذ علي حامد. أعلنت "نجستي" اسلامها. أصبح اسمها فاطمة.. الأستاذة فاطمة. ردا وتم الفرح. وسافرت الى حرقيقو. وأصبحت أول مسؤولة عن مدرسة البنات. درست اللغة العربية وأعمال الإبرة: التطريز. وكان ما زال القدر ينسج فصولا إضافية لقصة الأستاذ علي مع الباشا، أو بالأحرى مع مدارس الباشا. توفى الباشا. صدم الجميع. حزن النادي وحزن الأستاذ علي عليه. تحرك الأستاذ علي على رأس وفد من النادي ملء ثلاثة باصات كبيرة، من أسمرا الى فرع النادي في مصوع؛ ومن هناك الى حرقيقو لتشييع الرجل الهمام. في نفس العام طلب الأستاذ علي نقله الى مدارس حرقيقو تحت بند لم الشمل، لأن الاستاذة حرمه كانت هناك. انضمام الأستاذ علي حامد للكوكبة التي كانت موجودة حينها كان فعلا إضافة كبيرة. المدرسة الصناعية: النجارة والحدادة مدرسة النجارة التدريب المهني لمن لم تكن لديه الرغبة في التعلم الأكاديمي كان على رأس قائمة اهتمامات المدارس. علاوة على ذلك، فإن الحاجة الكبيرة للنجارين المدربين في البلدة والمناطق المحيطة بها جعلت التدريب على النجارة حاجة أكثر من كونه ترفًا.