Read Aloud the Text Content
This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.
Text Content or SSML code:
ضحي المدارس: وثبة جريئة لإثبات الذات في ٢ ديسمبر ١٩٥٠م، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن يقام اتحادا فيدراليا بين إثيوبيا وإريتريا. لم تفرح حرقيقو بهذا الاتحاد، إذ أن معظم أهالي حرقيقو كانوا من مؤيدي حزب الرابطة الاسلامية، وكانوا يطمحون للاستقلال. ولكن جرت رياح السياسة الدولية بما لم ترده سفنهم! وكان على ربان المدارس بحنكته وخبرته يتوقع ذلك. فرأى من المهارة أن يساير الرياح ليتجاوز المرحلة دون أن يغير مقصده. أستبق الباشا الأمور كعادته. ففي العام نفسه تم تغيير اسم” مدارس حرقيقو“إلى” مدارس الامبراطور هيلي سيلاسي الاول“. تم هذا على شكل مجاملة من الباشا لإمبراطور إثيوبيا. وبدأت المدارس بتدريس اللغة الأمهرية كلغة بجانب الانجليزية، وبقت اللغة العربية لغة المنهج التي تدرس بها كل المواد. في اعقاب تغيير الاسم زار العقيد “نغا ولد سيلاسي” قنصل اثيوبيا في اريتريا، التي كانت حينها تحت الادارة البريطانية، وقدم زيا من الكاكي لطلاب المدارس كهدية. الى جانب ذلك، كتب مدير المدارس حينها، الأستاذ الشاعر طيفور بابكر، أناشيد للعقيد نيغا ولد سلاسي وأعضاء الأسرة الحاكمة في اثيوبيا. وأدخلت المدارس في برنامجها رفع وخفض العلم الإثيوبي كممارسة منتظمة مع النشيد الوطني الإثيوبي. ولكن في الواقع لم تغير هذه المجاملات والتغييرات التجميلية في الأمر شيء. فمثلا برغم اليافطة العريضة التي تصدرت مدخل المدارس العملاق، لا ولم يوجد أحدا من سكان البلدة أو المنطقة ينادي المدارس باسم الامبراطور: الى يومنا هذا المدارس معروفة بـ” مدرسة كيكيا"! في عام ١٩٥٠م، وفي احتفال مصوع بذكرى المولد النبوي الشريف، والتي كانت مناسبة كبيرة وكرنفالا سنويا مميزا، اشتركت المدارس بأناشيد جميلة وعلى رأسها نشيد "هل هلال المولد " الذي ألفه الأستاذ طيفور لتلك المناسبة: هل هلال المولد بنوره السعيد أهلا ربيع الأول، أهلا بيوم العيد بدأت المدارس تلوح في الأفق المجتمعي في المنطقة في السادسة من عمرها، أي في نهاية عام ١٩٥٠م، وبتعليمات من الباشا، قامت المدارس بأمرين مهمين: أولا: إعداد برنامج تدريب معلمين (في داخل المدارس وتحت إشراف المعلمين السودانيين) لمجموعة من خريجي مدارس حرقيقو. البرنامج كان يهدف الى تخريج معلمين من أبناء البلد، للمرحلة الابتدائية. هذه المجموعة ضمت: أحمد محمود منتاي، حامد عبد القادر شيخ، إبراهيم حسب الله، محمود صالح سبي ثانيا: إرسال مجموعة، تتكون من ١٠ تلميذ، في منحة دراسية؛ لإكمال دراستهم في أديس أبابا، على نفقة الباشا. هؤلاء كانوا: عثمان صالح سبي، محمد حسن كيكيا، محمد عبد القادر شيخ حامد، عثمان خيار، محمد سعيد بشير، محمد علي عمريت، عبده ياسين جميل، رمضان مدني، موسى محمود كيكيا، حسين عثمان بشير. والجدير بالذكر سافرت المجموعة الى أديس أبابا بوثائق سفر إريترية، لأن إريتريا كانت مستعمرة تحت الانتداب البريطاني، وليست جزءاً من اثيوبيا. في نهاية أكتوبر، ١٩٥٢م أرسلت المدارس المجموعة الثانية في منحة دراسية الى أديس أبابا على نفقة الباشا. بالمقارنة مع المجموعة الأولى، كانت هذه المجموعة أكبر وأكثر تنوعًا. شملت أفرادا من أماكن، وعرقيات، وديانات مختلفة. وذلك كان انعكاسا لموقف الباشا من التنوع. المجموعة ضمت: عبد الله ادريس خليفة، احمد سيد علي، سعيد طيواي، عثمان رشيد إسماعيل، محمد ياسين محمودة، عثمان سيد علي، عمر عمار، محمد فاقر، حسن احمد كيكيا، أمير موسى أحمد أمير، أرآيا تخلي، مسفن مبراتو مسفن في منتصف عام ١٩٥٢م، غادر الأستاذ طيفور بابكر والأستاذ محمد احمد الهادي حرقيقو. الأستاذان الجليلان كانا آخر من تبقى من الرعيل الذي أسس المدارس: وفي سبتمبر من العام نفسه، تلقت المدارس دفعة جديدة من المعلمين السودانيين؛ وكان بينهم كشاف أسمه الأستاذ علي (وأعتقد اسم ابيه كان سعيد). الأستاذ علي أسس فرقة الكشافة لأول مرة في المدارس، وربما كانت الاولى في اريتريا كلها. الحركة الكشفية في مدارس حرقيقو لم تكن نشاطا مدرسيا فحسب، بل كانت مشروعا وطنيا، كما سنرى لاحقا. عامان بعد إرسال الدفعة الثانية بدأت تباشير الإنجاز وجني الثمار. في سبتمبر ١٩٥٤م عاد ثلاثة من الذين ابتعثوا الى أديس أبابا ليصبحوا معلمين في المدارس. الثلاثة كانوا الأستاذ عثمان صالح ســــبي والاستاذ محمد عبد القادر شيخ حامد والاستاذ محمد حسن كيكيا. أنضم هؤلاء الثلاث الى المجموعة التي دربوها السودانيون على التدريس محليا. وهكذا أصبح للمدارس هيئة تدريس من سبعة معلمين من أبناء البلد. وبعدها بفترة وجيزة أنضم إليهم محمد جعفر حبيب أستاذاً ومدرباً على النجارة. وفتح فسم الحدادة تحت اشراف السيد احمد بامشمش. المدارس فعلا قفزت قفزة عملاقة على نهاية حقبتها الاولي. نجاح كبير فعلا؛ فرح الباشا به كثيرا. ما كان حلما في عام ١٩٤٤م أضحى واقعا. ناظر مدارس حرقيقو في عام ١٩٥٤م كان الأستاذ المخضرم عثمان منتاي الذي كان آخر معلم سوداني متبقي (إذا أعتبر سودانيا). إذ هنا من قال إنه كان اريتريا، من منطقة الساحل وتسودنً. من بين الاشياء التي كان يتميز بها الاستاذ عثمان منتاي كانت الصرامة ومشيته الفريدة، التي كانت ناتجة طوله. أدار الأستاذ عثمان منتاي المدارس بالكادر الجديد لمدة عام، ويكاد يعتبر ذلك العام إعدادا للأستاذ عثمان سبي ليتولى الإدارة. وعلى ما أعتقد، وبناء على ما سمعته من أستاذنا، الاستاذ محمد عبد القادر، رحمه الله، أن الأستاذ عثمان منتاي ترك المدارس لتباين في وجهات النظر بينه وبين الباشا في أمور كثيرة. تلاحقت الأحداث...وخاصة الخارجية منها، والتي كان لها تأثيرا على مسار المدارس. فعلى الصعيد السياسي، عقدت انتخابات لجمعية تمثيلية تضم ٦٨ عضوا، لأول برلمان لإريتريا، في ١٦ مارس ١٩٥٢م. رشحت حرقيقو الباشا صالح أحمد كيكيا وانتخبته مع باقي مناطق "سمهر" ممثلا لها. بدأت الجمعية العمومية عملها بانتخابها أتو "تيدلا بايرو" رئيسا تنفيذيا لها في ١٣ سبتمبر ١٩٥٢م. من أهم مهام الجمعية العمومية وقتها، كان مناقشة واقرار دستور لأريتريا. ومن أسخن نقاط النقاش في موضوع الدستور كانت قضية اللغة الرسمية لأريتريا. وحينها اندلع أسخن سجال شهدته الجمعية بين المؤيدين والمعارضين بأن تكون العربية لغة رسمية بجانب التجرينية. باشا كيكيا كان حاملا لواء المؤيدين للغة العربية، وكان خصمه في السجال رئيس الجمعية ورئيس حزب الانضمام مع اثيوبيا، أتو تدلا بايرو. الصحفي السوداني السيد السوري تناول الحدث في مقالة اليكترونية. وأهم مرجعا له كان السيد تدلا بايرو، الذي كان قريبا منه. في ١٠ يوليو من السنة نفسها أعتمد البرلمان الدستور الاريتري الذي صادق عليه الإمبراطور هيلا سيلاسي في ١١ أغسطس. في خضم أحداث بداية الخمسينات الساخنة، زار الإمبراطور هيلي سيلاسي المدارس في ٨ أكتوبر١٩٥٢م وأهدى الطلبة زياً مدرسياً أبيض.