Download Free Audio of ١٩٤٤ – ١٩٤١ بزوغ شمس مدا�... - Woord

Read Aloud the Text Content

This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.


Text Content or SSML code:

١٩٤٤ – ١٩٤١ بزوغ شمس مدارس حرقيقو: بداية قوية وعزم لا يلين فترة الأربعينيات من القرن الماضي فترة تخطيط وإنشاء وافتتاح وانطلاق ولادة فكرة في عام ١٩٤١م هزم جيش الحلفاء الإيطاليين واستولت بريطانيا على اريتريا. بعد تمكنهم من الحكم، وحتى يكتمل نفوذهم على البلد، البريطانيون بدأوا بتصفية حساباتهم مع كبار القوم ممن كانوا في الصدارة أيام العهد الايطالي. زجوا بهم في السجون. من ضمن هؤلاء كان الباشا كيكيا وصديقه القاضي حسن عثمان، قاضي المحكمة الشرعية بمصوع. وضعا في زنزانة واحدة في سجن "عدي خالا". من خلف قضبان سجن "عدي خالا" تكونت فكرة إنشاء مدارس حرقيقو وتبلورت الى قرار. وليس مثل باشا من يتردد في التنفيذ. وقد كان: في عام ١٩٤١م أبرم الباشا اتفاقا مع أكبر مهندس في البلد حينها، المهندس Vernero في مكتب مأمور السجن. في فترة وجيزة أعد المهندس خرائط وبيانات المباني. ناقشها مع الباشا على فنجان قهوة وسيجارة ماركة ٥٥٥ التي كان الباشا مشهورا بتدخينها. كان للباشا تصورا واضحاً لما أراد. بعد بضعة لقاءات ترجم "م. فيرنيرو" تصور الباشا وأفكاره الى رسومات. وافق الباشا على الرسومات، رصد للمشروع ميزانية سخية، تطلق يدي المهندس وابداعه. وفي آخر اجتماع له مع المهندس بصدد الشكل، والتكلفة، والجدول الزمني، قال الباشا للمهندس، وهو يطفئ السيجارة التي كانت بيده: "ابدأ فوراً، فمدير مكتبي لديه التعليمات". وهكذا، بدأ البناء قبل خروج الباشا من السجن. الأجواء التي أنشئت فيها المدارس عندما نحكي اليوم بأن الباشا أسس مدرسةً فريدةً من نوعها في حرقيقو في عام ١٩٤٤م، قد لا نتصور المشهد بتفاصيله كما كان. بل يسهل على العقل أن يربط المعلومة بما لديه من خبرات متشابهة في موضوع تأسيس وفتح المدارس والتعليم. مثل مدرسة تفتح في منطقة أو مدينة، أو قرية ما. ويتبادر الى الذهن تصورا، من وحي التجارب أيضا، كأن يتراءى لنا الناس يتزاحمون لتسجيل أطفالهم. ويخرج لنا العقل سيناريو يكاد يكون مكرراً لشيء خبرناه: مدخل كبير للمدرسة، إشارات الى مكتب أو مكان التسجيل، منشور بمعلومات التسجيل...الخ.. وتتم العملية؛ ويدخل الاطفال الفصول وتشرع المدرسة الجديدة في عملها. قصة تقليدية؛ غير أن قصة مدارس حرقيقو كانت مختلفة تماما. الحكاية من البداية.. في العام ١٩٤١م خرجت من حرب لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل.: الحرب العالمية الثانية؛ حرب حصدت أرواح شباب كثر من أبناء حرقيقو من الذين كانوا في الجيش والبحرية الايطالية... تلك كانت فترة يلفها الغموض: الى أين مع الانجليز؟ ... ركود اقتصادي قاتل؛ شباب عاطل.. لا عمل ولا علم ولا تعليم.. لم تكن هناك مدارس وقتها، عدا مدرسة مصوع التي كان يذهب اليها قلة من أبناء الأعيان بحرا بالسفن. غالبية الأهالي لم يكونوا يفكرون بأرسال أبنائهم الى مصوع للتعليم إما لشح المال؛ و إما لعدم الوعي الكافي بأهمية التعليم و الحاجة إليه. و لهذا كانت أسباب عديدة (لا يسمح المجال للخوض فيها) منها عملية البرمجة التي تعرض لها الشعب من المستعمر ليرضى بالدونية. الاقتناع بان التعليم و السلطة للمغتصب و ليس لهم.. والسببان متداخلان؛ يؤديان الى النتيجة نفسها: فبالنسبة للكثيرين كان يكفي أن يحفظ الطفل القرآن ويتعلم الصلاة. أما التعليم فكان يعتبر رفاهية لا ينالها الا المقتدر. كانت هناك عطالة منتشرة. ذهب الايطاليون وذهبت فرص العمل معهم. لم يوجد للشاب شيء مفيد يعمله. تفشت عادة الجلوس في المقاهي، والتدخين، وسف التبغ، ولعب الكوتشينة. بيئة معادية للتعليم رغم أن المجتمع، وبالمنطق، كان في أشد الحاجة الى التغيير الذي لا يتأتى إلا بالعلم والمعرفة. ورغم عدم تلقيه التعليم الرسمي، كما عرف لاحقاً، فإن شعب حرقيقو شعبٌ واع جسور. قد يقبل بشيء أو يرفضه ولكنه في الأخير تجده يحتكم بالحكمة. هذه كانت الظروف التي نشأت فيها فكرة مدارس حرقيقو في ذهن الباشا. الطريق بين فكرة الباشا لإنشاء المدارس وتجسيدها الى مشروع على أرض الواقع لم يكن طريقا مفروشا بالورد، بل كان شاقا. باشا كيكيا لم يوجد حرقيقو، بل وجد نفسه فيها، وككل أولادها وجد نفسه عاشقاً لها. غير أنه كان مختلفا في تفكيره عن غيره. كان فطنا، مبدعا، مطورا، محسنا. فرأى ما لم يستطع غيره رؤيته. رأى حاجة المجتمع إلى الثورة للتغيير والتطوير، ورأى نفسه ذلك الشخص الذي يستطيع أن يأتي بالتغيير. ورأى أيضا وعورة ما هو مقدم عليه. التردد ليس من شيمة المقدام، فكر، فقرر، فبدأ في التنفيذ. ولكن بالعادة البشر لا يتقبلون التغيير. وأهل حرقيقو لم يتقبلوا أفكار الباشا فورا وبسهولة. هذا صعب مهمة الباشا. . في العام ١٩٤١ فوجئ الأهالي بحركة بناء غير مألوفة في ديار بيت كيكيا. البناء كان مختلفا هيكلاً وحجماً. المهندس والمشرفون كانوا بيض. بدأت القواعد ترتفع بسرعة مذهلة... اختلفت الأقاويل حوله، اختلطت التكهنات بالافتراضات وبالحقائق. بعضها كان لا يخلو من الطرف؛ كأن قال البعض أن الباشا اتفق مع الفرنجة على بناء كنيسة لتنصير أبناء البلد! وفي مجتمع بسيط وفي ذلك الزمان، مثل هذا الكلام يجد ناقلا ومروجا، بل ومصدقا، وحتى متحمسا يتبرع بالدفاع عن العقيدة! اختلفت المواقف من فكرة بناء مدرسة عصرية في البلدة. انقسم الناس بين مؤيد ومعارض ومقاوم، ومتشكك ومشكك، وغير مكترث. للكل أجندة خاصة وقناع تفنن في اسداله على حقيقة ما يخفيه. وكانت هناك قلة رأت في التعليم مخرجا مما كانت فيه البلدة والبلد. وفي وسط هؤلاء كان للباشا أعوان ومؤيدون أيضا. الباشا لم يبال بما كان يُحاك من أقوال، ولا ما كان ينسج من مكائد. وكأن لسان حاله يقول، ما قاله أبو قاسم الشابي: إذا ما طمحت الى غاية...ركبت المني ونسيت الحذر ولم أتجنب وعور الشعاب...ولا كبة اللهب المستعر ومن لا يحب صعود الجبال...يعش أبد الدهر بين الحفر. صعود الجبال كان لا مفر منه ... ودارت عجلة مشروع المدارس بالصعود. في العام ١٩٤٤م أكتمل البناء.. بناء ضخم... جميل... وضاء.. مُبْهِرٌ؛ وكأنه نزل بمظلة من كوكب آخر، هدية من السماء!