Download Free Audio of من يعرف حجم إنجازات الباشا �... - Woord

Read Aloud the Text Content

This audio was created by Woord's Text to Speech service by content creators from all around the world.


Text Content or SSML code:

من يعرف حجم إنجازات الباشا يصعب عليه أن يصدق أن الباشا عاش أقل من ٥٣ عامٍ فقط. و كأن للناجحين أمثاله معيار آخر للزمن. ما يجعل الأمور تبدو كذلك ما هو الا انعكاسا لشخصية الرجل الفعالة التي لم تكن تؤمن إلا بالنجاح؛ و قدرته في مواجهة الصعاب دون أن يترك للتردد و إضاعة الوقت مجالا. فاليد التي يتحول التراب فيها تبرا، لا يمكن أن يتسرب الزمن بين أصابعها هدرا! علاوة على أنه كان عصاميا في تكوينه، الباشا كان معروفا بالشجاعة عند مواجهة القوي و أصحاب النفوذ. و بالشهامة عند منافسة التجار من إخوانه، صادقا عند الصلح، و معروفا بالكرم عند لقاء المحتاج، و بالوطنية و الجسارة إذا مالخطب جد، و ببعد النظر عند التفكير بمستقبل يهدده التحدي. أملاكه من أراض زراعية، و ثروة حيوانية، و عقارات، و تجارة.. تضعه في زمرة الإقطاعيين، و لكن أي إقطاعي هذا الذي يوزع الاراضي على صغار الفلاحين؟ و أي إقطاعي هذا الذي يستورد الثيران من اليمن ليوزعها على الفلاحين ليحرثوا بها الاراضي المعطاة لهم أصلا من قبله؟! ويشتري منهم محصول مزارعهم بسعر السوق؟! بل و أي إقطاعي هذا الذي يبني مجمَّعَ مدارس في بلدته (وهي مدينة صغيرة) و يوقف لها ٤٨ (متجرا في قلب أديس أبابا (عاصمة إثيوبيا) ليضمن لهذه المدارس موردا ماليا حتى بعد وفاته؟!!! هل شخصية الباشا، شخصية مثيرة للجدل؟! ربما. هل كان شخصاً يصعب فهمه؟ ربَّما. بل مما لاشك فيه أنه كان رجلاً سبق زمانه من حيث الفكر و العطاء و البناء. على الصعيد السياسي، قيل أنه كان إنضماميا لا يؤمن باستقلال اريتريا عن اثيوبيا. فليكن، و ماذا في ذلك؛ فربما تلك كانت قناعته الشخصية؛ قد يقول من يؤمن بحرية الرأي. و لكن مهلا! كيف أنشأ مدارس كل حرف في مناهجها يصرخ بالثورية و الاستقلال؟ و أعد لها شابا (عثمان سبي) خبره الكل ثائرا ليكون مديراً لها؟ و وافقه عل كشروع من أخطر المشاريع، ألا و هو إرسال خريجي مدرسة البنين سرًّا الى مصر؟ و أيّ مصر؟ مصر عبد الناصر الاشتراكية، الثائرة؟ في حين كانت سياسة إثيوبيا كلها ولاءً لواشنطن؟ فمن كان هذا الرجل؟! في طفولته و صباه لم يكن مختلفاً عن بقيةِ أطفال حرقيقو و صِبيتها، الذين عايشوا فترة الاستعمار الإيطالي (١٨٨٢ ـ ١٩٤١م). قرأ القرآن في دار خاله السيد عبد القادر بشير. كان طفلا عاديا يلهو و يلعب مع رفاق صباه. .. يمارس معهم هواية العوم و صيد السمك بالنهار و يشاركهم السمر في ضوء القمر بالليل. كان ميالا للصمت.. ينصت و يستمع بتمعن.. كان يعشق الاستماع للأشعار و الاذكار و الاغاني. كان متّسماً بالفطنة والحنكة وقوة الشخصية. عندما بلغ سن الرشد بدأ يعمل مع والده في التجارة. بدأ يسافر خارج حرقيقو.. يختفي ويظهر بين الحين والأخر. كان يتردد على اسمرا و عدي قيح. تمرس في تجارة الحبوب، الجلود، السمن، العسل و طبع الاسطوانات الشعرية و الموسيقية و بيعها. نجح في التجارة. كثرت سفرياته بين المدن. عند دخول الايطاليين الى أديس أبابا في عام ١٩٣٦، كان عمره ٣٢ عاما. اتجه إلى أديس أبابا. و هناك تعرف على تجارة العقارات، وأفلح. حصل على رخصة للاستيراد و التصدير. و تجارته اصبحت عالمية. و هذه هي الفترة التي لمع فيها نجمه كرجل أعمال. كان أصيلا فزاده الثراء أصالةً و إخلاصاً لأهله و صحبه. لم ينسَ أصدقاءَ الصبا، لم يدر ظهره لهم. كان تواقا لأن يعود للعش القديم دوما؛ فكان يتصيد الفرص لذلك. فيلتقي بأمناء أعماله الزراعية في زولا و حواليها مثل الشيخ محمود أفكعبو، و الشيخ جابر فاقر، و الشيخ علي موسى نائب، و الشيخ محمد حسين حيدر.. و يستشير علية المجتمع من أصدقائه مثل القاضي حسن عثمان (قاضي محكمة مصوع الشرعية حينها) و الشيخ محمد علي بدهو (رجل أعمال ناجح و الذي كان مقر تجارته في الحديدة باليمن) و الكفليري عمر سفاف (حاكم مدينة غندع و حواليها). و كان يأنس لأصدقائه المقربين السيد محمود موسى باقر، و الشيخ علي ابراهيم سراج. و الخليفة أحمد حسن حامدوي. و السيد أحمد محمد عاقا، و غيرهم. حرقيقو البسيطة كانت له المأوى و الاستراحة بعد جولات المنافسات و المضاربات التجارية. و استراحات المحارب هذه لم تكن تكتمل بدون شعراء حرقيقو الموهوبين من السيد يحيي حوطرو، صاحب الكثير من الأقوال المأثورة (تتناقلها الأجيال الى يومنا هذا)، و السيد عثمان محمد سعيد شيخ عمر، السريع البديهة، و السيد عمر آيم، المنولوجيست الموهوب القدير. رحمهم الله جميعا. عاصر الباشا خروج الإيطاليين من إريتريا و دخول البريطانيين اليها؛ و فترة إدارتهم (١٩٤١ــ ١٩٥٢م). و هذه الفترة كانت مهمة جدا إذ أن مدارس حرقيقو أنشأت في عام ١٩٤٤م، ثلاثة سنوات فقط بعد دخول البريطانيين. بإيعاز من البريطانيين تأسست في إريتريا أحزابٌ سياسيةٌ، أهمها كانا حزبي الانضمام (الذي كان ينادي بالانضمام إلى إثيوبيا) و حزب الرابطة الإسلامية (الذي كان ينادي بالاستقلال). و للباشا كان دورٌ مهمٌ في فترة الأحزاب و حراك تقرير المصير. المعلن الباشا كان إنضماميا. غير المعلن أنه لم يكن كذلك. جمع عقلاء حرقيقو و طلب منهم أن لا يحذوا حذوه؛ فإنضمامه لحزب الإنضمام لم يكن إلا للحفاظ على ثروته الضخمة التي كانت في الحبشة و التي كان يصعب إخراجها من هناك و قتها. و حديثه الذي كان من المفروض أن يظلّ سرا، تفشى و عم. و يقال أنه وصل للإمبراطور هيلي سيلاسي (أمبرطور إثيوبيا وقتها) و تغيرت نظرته للباشا حينها و إن لم تظهر ردود فعل الأمبرطور إلا لاحقا. السياسة الدولية لعبت لعبتها: فلا الاستقلال تحقق، و لا الإنضمام تم. وبقرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة أقيم إتحادا فيدراليا بين اريتريا رو اثيوبيا في عام ١٩٥٢م، و الذي كان عمره ١٠ سنوات. عاش الباشا جزءا من فترة هذا الاتحاد. أنتخب الباشا عضوا في برلمان إريتريا. من أهم مواقفه في البرلمان: الباشا طالب بكل قوة بأن تكون اللغة العربية اللغة الرسمية لاريتريا بجانب التجرينية. و أصطدم بسبب هذه القضية بالسيد "تدلا بايرو" رئيس الحكومة الاريترية و السكرتير العام لحزب الاتحاد مع إثيوبيا. و شهد البرلمان أشد المشادات بين الرجلين. و لكن في الآخر أقر البرلمان ما طالب به الباشا. و كما هو معروف أصبحتا التجرينية و العربية اللغتين الرسميتين لاريتريا؛ الى أن الغيتا لاحقا في برنامج "أمهرة" (نسبة الى اللغة الأمهرية، لغة إثيوبيا الرسمية)؛ و حدث ذلك بعد وفاة الباشا. كان الباشا رجلا شهما صاحب مواقف قوية. فبرغم الصراع السياسي الذي كان بينه و بين السيد تدلا بايرو؛ فالباشا كان الوحيد من كبار الدولة الذي لم يدر ظهره لتدلا بايرو عندما طاله غضب الامبراطور و أقيل من رئاسة البرلمان. الكل تنكر للسيد تدلا بايرو، ما عدا الباشا.. الذي تعامل معه بطريقة "إبن البلد" و ساعده. يعرف الباشا بالمحسن الكبير الذي كان كريما مع الكل. فكان يتبرع للكنيسة بقدر ما كان يتبرع للمسجد. و دور العبادة في أسمرا و غيرها شاهدة له. فقط مثالاً واحداً من الكثير: أُعطى منحه دراسية لـ١٠ من طلاب مدارس حرقيقو ليكملوا دراستهم في أديس أبابا. اثنان من الـ١٠ كانا مسيحيين و لم يَكُنَا من حرقيقو, و اثنان كانا من خارج حرقيقو و لم يكونا من التغري. ببساطة كان مبداه تعليم الاريتريين، وليس فقط أبناء حرقيقو أو المسلمين. عقلية الباشا كانت عقلية تسمو بصاحبها فوق حدود الإثنية و الطائفية. تُوفِّيَ الباشا في سنة ١٩٥٧م، و ذلك قبل أن تنضم اريتريا إلى اثيوبيا في عام ١٩٦٢م. دفن الباشا في بلدة حرقيقو، مسقط رأسه، في تشييع مهيب حضره أعيان البلد و كبار رجال السياسة و الجيش في اريتريا و اثيوبيا. حمل نعش الباشا شباب فرقة كشافة مدارسه. كان الباشا من الأثرياء المرموقين في زمنه...كان محسنا.. و كان من الأثرياء الآخرين محسنين أيضا. ولكن ظل اسمه لامعا لم يغب؛ لأنه كان تاجرا ماهرا، فطنا.. بنى مصنعا يصنع و ينتج عقولا. و ما أربحها من تجارة. و في أول حفل للمدارس، بعد رحيل الباشا، أنشدت المدارس، النشيد الذي أبكى الجميع: يا شباب البلاد باشا كان للجميع ذكره خالد مجده لا يضيع باشا نم و استرح قد ضمنت البقاء قد رفعت البلاد للعلا و السماء قد ضمنت الجنان منزل الصالحين فاسترح و اغتبط بجوار الرحيم تلك اعمالك شاهدة لك تلك آثارك مبقيات لك كم كسوت العرى طمعا في النعيم كم رحمت الجياع خائفا للجحيم كم بذلت الجهود في سبيل العلوم و أنرت الطريق لجميع العصور فارفعوا ذكره فوق متن الرياح و اقتدوا هديه بالفداء و الكفاح ربي أنعم عليه بالنعيم المقيم و أسكن روحه مقعد المتقين في جوار الرحمن في جوار الرحيم في النعيم المقيم منزل الصالحين